سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم} سبب نزولها ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر، نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيِّف، ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة، فاستقبل القبلة، ثم مدَّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: «اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إنك إن تُهْلِكْ هذه العصابة لا تُعبَدْ في الأرض أبداً» فما زال يستغيث ربه ويدعوه، حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر الصديق فأخذ رداءه فردّاه به، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك، فانه سينجز لك ما وعدك؛ وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: {إذ} قال ابن جرير: هي من صلة {يبطل}. وفي قوله: {تستغيثون} قولان:
أحدهما: تستنصرون. والثاني: تستجيرون. والفرق بينهما أن المستنصر يطلب الظفر، والمستجير يطلب الخلاص. وفي المستغيثين قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قاله الزهري.
والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله السدي. فأما الإمداد فقد سبق في [آل عمران: 124]. وقوله: {بألف} قرأ الضحاك، وأبو رجاء: {بآلاف} بهمزة ممدودة وبألف على الجمع. وقرأ أبو العالية، وأبو المتوكل: {بألوف} برفع الهمزة واللام وبواو بعدها على الجمع. وقرأ ابن حَذْلَم، والجحدري، {بأُلُفٍ} بضم الألف واللام من غير واو ولا ألف، وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران: {بِيَلْفٍ} بياء مفتوحة وسكون اللام من غير واو ولا ألف، فأما قوله: {مردِفين} فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {مردِفين} بكسر الدال. قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، والفراء: هم المتتابعون. وقال أبو علي: يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم، تقول: أردفت زيداً دابتي؛ فيكون المفعول الثاني محذوفاً في الآية.
والثاني: أن يكونوا جاؤوا بعدهم؛ تقول العرب: بنو فلان مردوفونا، أي: هم يجيؤون بعدنا. قال أبو عبيدة: مردِفين: جاؤوا بعدُ. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {مردَفين} بفتح الدال. قال الفراء: أراد: فُعِلَ ذلك بهم، أي:
إن الله أردف المسلمين بهم. وقرأ معاذ القارئ، وأبو المتوكل الناجي، وأبو مجلز: {مُرَدَّفين} بفتح الراء والدال مع التشديد. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران {مُردِفين} برفع الراء وكسر الدال. وقال الزجاج: يقال: ردفت الرجلَ: إذا ركبتُ خلفه، وأردفتُه: إذا أركبتُه خلفي. ويقال: هذه دابة لا تُرادِف. ولا يقال: لا تُردِف. ويقال: أردفتُ الرجلَ: إذا جئتَ بعده. فمعنى {مردفين} يأتون فرقة بعد فرقة. ويجوز في اللغة مُرَدِّفين ومُرُدِّفين ومُرِدِّفين، فالدال مكسورة مشددة على كل حال، والراء يجوز فيها الفتح والضم والكسر. قال سيبويه: الأصل مرتدفين، فأدغمت التاء في الدال فصارت مُرَدِّفين لأنك طرحت حركة التاء على الراء؛ وإن شئت لم تطرح حركة التاء، وكسرت الراء لالتقاء الساكنين. والذين ضموا الراء، جعلوها تابعة لضمة الميم. وقد سبق في آل عمران تفسير قوله: {وما جعله الله إلا بشرى} [آل عمران: 126] وكان مجاهد يقول: ما أمد الله النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذُكرت في [الأنفال: 10]، وما ذَكَر الثلاثة والخمسةَ إلا بشرى، ولم يُمَدُّوا بها؛ والجمهور على خلافه، وقد ذكرنا اختلافهم في عدد الملائكة في [آل عمران: 126].


قوله تعالى: {إذ يغشاكم النعاسُ أمنة منه} قال الزجاج: {إذ} موضعها نصب على معنى: وما جعله الله إلا بشرى، في ذلك الوقت، ويجوز أن يكون المعنى: اذكروا إذ يغشاكم النعاس. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {إذ يغشاكم} بفتح الياء وجزم الغين وفتح الشين وألف {النعاسُ} بالرفع. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {يُغَشِّيكم} بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة {النعاسَ} بالنصب. وقرأ نافع: {يُغْشِيكم} بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين {النعاسَ} بالنصب. وقال أبو سليمان الدمشقي: الكلام راجع على قوله: {ولتطمئن به قلوبكم} إذ يغشاكم النعاس. قال الزجاج: و{أمنةَ} منصوب: مفعول له، كقولك: فعلت ذلك حذر الشر. يقال: أمنتُ آمَنُ أمْناً وأماناً وأمَنَةً. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو العالية، وابن يعْمر، وابن محيصن: {أمْنَةً منه} بسكون الميم.
قوله تعالى: {وينزِّلُ عليكم من السماء ماء} قال ابن عباس: نزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وبينه وبين الماء رملة، وغلبهم المشركون على الماء، فأصاب المسلمينَ الظمأُ، وجعلوا يصلّون محدِثين، وألقى الشيطان في قلوبهم الوسوسة، يقول: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون محدِثين، فأنزل الله عليهم مطراً، فشربوا وتطَّهروا، واشتد الرمل حين أصابه المطر، وأزال الله رجز الشيطان، وهو وسواسه، حيث قال: قد غلبكم المشركون على الماء. وقال ابن زيد: رجز الشيطان: كيده، حيث أوقع في قلوبهم أنه ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة. وقال ابن الأنباري: ساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه، فأرسل الله السماء، فزالت وسوسة الشيطان التي تُكسب عذابَ الله وغضبه، إذ الرجز: العذاب.
قوله تعالى: {وليربط على قلوبكم} الربط: الشد. و{على} في قول بعضهم صلة، فالمعنى: وليربط قلوبكم. وفي الذي ربط به قلوبهم وقوَّاها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الصبر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه الإيمان، قاله مقاتل.
والثالث: أنه المطر الذي أرسله يثبِّت به قلوبهم بعد اضطرابها بالوسوسة التي تقدم ذكرها.
قوله تعالى: {ويثبت به الأقدام} في هاء {به} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الماء؛ فان الأرض كانت رَمِلة، فاشتدت بالمطر، وثبتت عليها الأقدام، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي في آخرين.
والثاني: انها ترجع إلى الربط، فالمعنى: ويثبت بالربط الأقدام، ذكره الزجاج.


قوله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم} قال الزجاج: {إذ} في موضع نصب، والمعنى: وليربط إذ يوحي. ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي. قال ابن عباس: وهذا الوحي: إلهام.
قوله تعالى: {إلى الملائكة} وهم الذين أمدَّ بهم المسلمين. {أني معكم} بالعون والنصرة. {فثبِّتوا الذين آمنوا} فيه أربعة أقوال.
أحدها: قاتلوا معهم، قاله الحسن.
والثاني: بشِّروهم بالنصر، فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل، ويقول: أبشروا فان الله ناصركم، قاله مقاتل.
والثالث: ثبِّتوهم بأشياء تُلْقُونها في قلوبهم تَقوى بها. ذكره الزجاج.
والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد، ذكره الثعلبي. فأما الرعب: فهو الخوف. قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السُّوائيَّ عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطَّست فيطِنُّ، فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
قوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق} في المخاطب بهذا قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قال ابن الأنباري: لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضرب من الناس، فعلَّمهم الله تعالى ذلك.
والثاني: أنهم المؤمنون، ذكره جماعة من المفسرين. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: فاضربوا الأعناق، و{فوق} صلة، وهذا قول عطية، والضحاك، والأخفش، وابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: {فوق} بمعنى على، تقول: ضربته فوق الرأس، وضربته على الرأس.
والثاني: اضربوا الرؤوس لانها فوق الأعناق، وبه قال عكرمة.
وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال.
أحدها: إنه الأطراف، قاله ابن عباس، والضحاك. وقال الفراء: علَّمَهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. وقال أبو عبيدة، وابن قتيبة: البنان أطراف الأصابع. قال ابن الأنباري: واكتفى بهذا من جملة اليد والرِّجل.
والثاني: أنه كل مَفْصِل، قاله عطية، والسدي.
والثالث: أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء، والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع، هذا قول الزجاج. قال: واشتقاق البنان من قولهم: أبَنَّ بالمكان: إذا أقام به؛ فالبنان به يُعتمل كلُّ ما يكون للاقامة والحياة.
قوله تعالى: {ذلك بأنهم شاقُّوا الله} {ذلك} إشارة إلى الضرب، {وشاقوا} بمعنى: جانبوا، فصاروا في شِقٍّ غيرِ شقِّ المؤمنين.
قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه} خطاب للمشركين؛ والمعنى: ذوقوا هذا في عاجل الدنيا. وفي فتح أنَّ قولان:
أحدهما: باضمار فعل، تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أن للكافرين.
والثاني: أن يكون المعنى: ذلك بأن للكافرين عذاب النار. فاذا ألقيت الباء، نصبت. وإن شئت، جعلت أن في موضع رفع، يريد: ذلكم فذوقوه، وذلكم أن للكافرين عذاب النار، هذا معنى قول الفراء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8